قصة – قانون البوصلة

 قصة – قانون البوصلة

أيمن قاسم الرفاعي

جلس بين يدي أبيه يبكي عمره وعلم سنواته العشرين الذي ضاع في غمضة عين، كانت الحرقة تسكن عينيه والضياع يلف جنبات نفسه، معلمه وأستاذه الذي تربى على يديه وكان له النبع الذي ينهل منه حسن خلقه والمشكاة التي يقبس منها جذوة علمه، قد تاه وتبدلت به حال الصلاح إلى دروب التيه والضلال ومسالك

المفسدين والمتسلطين. قذف ذلك الأمر الرعب في قلبه فأوجس في نفسه خيفة من كل علمه وعمله، فإن كان معلمه قد ضل بعلمه فلا شك أنه منه إلى الضلال أقرب، وإن كان قد ساء عمل الأستاذ فسوء عمل التلميذ أوجب …

ربت على كتفي ابنه الكسير أمامه: هون عليك يا بني، ثم تناول جسماً من درج مكتبه ووضعه أمامه وسأله: إلى أين تشير هذه..

ذاهلاً عن غرابة السؤال وصدمة الطلب حين رأى البوصلة ماثلة أمامه، أجاب دون تفكير: إلى الشمال.

أمتأكد أنت..

بكل تأكيد، فهذا مبدأ البوصلة أن تشير دائماً إلى الشمال، وهذا بيتنا وأنا أعرف اتجاهاته وإبرتها تتطابق مع جهة الشمال منه.

حسناً… ثم اخرج من الدرج جسماً آخر ووضعه في جيبه هذه المرة، فتغير اتجاه إبرة البوصلة ليصبح باتجاهه هو مباشرة ..

فسأل مستغرباً، ماذا فعلت حتى تاهت البوصلة عن الاتجاه الصحيح ؟..

فأجابه والده مبتسماً وهو يمسح شعره، عندما كانت إبرة بوصلتي حرة في يدي ولا تخضع إلا لقانون الله (والذي هو الحقل المغناطيسي للأرض)، كانت دائماً تشير نحو الاتجاه الصحيح جهة الشمال، وهذا حالها أنى تكون حرة، ولكنعندما تأثرت حريتها بما دخل في جيبي أصبحت تحت وطأت قانوني الخاص، رغم أن قانون الله لا يزال قائماً، ولكن لأنها في يدي كان تأثير قانوني عليها أكبر فتاهت عن الاتجاه الصحيح ولم تعد ترى إلا أنا ولا تقصد إلا إياي. ولكن قانوني الخاص هذا لا تأثير له إلا على إبرتي، فباقي إبر البوصلات التي في العالم لم يغيرها قانوني الخاص، وحتى إبرتي هذه متى ما أزيل ما في جيبي وأنظفه منه ويعود قانوني الخاص ليتحد بقانون الله فإنها ستعود إلى جادة هدايتها وتشير إلى الاتجاه الصحيح، فذاك قانون البوصلة.

صمت الابن مستغرقاً .. ثم ما لبث أن تفتح على شفتيه المشدوهتين برعم ابتسامة .. وترقرقت من شرفات عينيه المشفقتين دمعة..

فتابع الأب في حنو قائلاً: وكذلك النفس يا ولدي، تتيه بوصلتها عن جادة الحق وسبيل الله عندما تتأثر حريتها وصفاء سريرتها بأنا ولي وأياي، فارضاً عليها قانوني الخاص الذي يعمي بصيرتها عن قانون الله وعن تلمس الطريق القويم بموجبه.

لذلك اعلم يا ولدي،  أن الحق لا يعرف برجاله وإنما بالحق ذاته لا بشيء سواه، فقد يضرب الله الظالم بالظالم، وينصر دينه بالرجل الفاجر.

فعلم يا ولدي

الدوحة 27/07/2015م

شارك:

مقالات ذات صلة:

أيمن قاسم الرفاعي

Ayman Q. Alrefai

باحـــث دكتــــــوراة فـــي الدراســـــات الإسلاميـــــة
كـاتب وباحــث متخصـص في مجـال الإدارة والسياســة العامة
مدون وكاتب في مجال الفكر والفن والأدب والقصة والشعر

آخر ما حرر
مقالات ذات صلة
Scroll to Top