سياسة أحادية الرؤية مثقوبة الذاكرة؟!

سياسة أحادية الرؤية مثقوبة الذاكرة؟!

-عن تجربة الدكتور مرسي والإخوان في حكم مصر

ايمن قاسم الرفاعي

 

1111 1

برغم الحزن الشديد على سقوط أول تجربة شعبية حرة للحكم في بلاد الربيع العربي بالأمس في مصر سواء أسمي ذلك إنقلاباً أم لم يسمى، وفشل أول تجربة إسلامية ديمقراطية نزيهة في هذا القرن عولنا عليها وعلى روادها الكثير، إلا أن ذلك ليس مدعاة للتباكي على الإسلام كما يفعل البعض. توفي الرسول صلى الله عليه وسلم ولم ينتهي الإسلام، انتهت الخلافة الراشدة ولم يسقط الاسلام، فعلام تتباكون على الإسلام وتشحنون العواطف؟؟، هل فقط لأجل كسب التأييد؟!، أم أنتم فعلاً ترون الإسلام في هذه الجماعة أو ذاك الحزب؟!، الإسلام لا يسقط بسقوط جماعة أو خسارة حزب، الإسلام أكبر من أن تمثله جماعة أو حزب أساساً فضلاً عن أن ينسب إليها.

هناك دروس وعبر كبيرة يجب الاستفادة منها على كل المستويات وفي دول الربيع العربي على وجه الخصوص، فالشأن ليس مصرياً بحتاً بل هو حالة وأنموذج عام، وأولى الناس بذلك هي جماعات الإسلام السياسي، إن حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر لم يسقط بمؤامرة المتآمرين وتدبير المكيدين بقدر ما سقط بسوء إدارة الإخوان والرئيس مرسي للمرحلة الحرجة التي انتضوا للتصدر فيها رغم العلم على ما تنطوي عليه من مخاطر وحرج وتحديات تنوء تحته أكبر الخبرات السياسية المدربة في العالم فضلاً عن هواتها.

إن التجربة المنصرمة التي عاشها الإخوان منذ تنحي مبارك عام 2011م وخلال حكمهم لمصر لمدة عام، تجربة شابها الكثير من السذاجة والتحذلق السياسي أدت إلى سقوطها، الأمر الذي سيكون له تأثيرات كبيرة على الجماعة نفسها واحتمال تعرضها للتصدع أو التناحر بأضعف الأحوال، بفعل وجود تيارات داخلية وخاصة الشبابية كانت أكثر نضوجاً وعبرت عن رأيها في وقت ما لكنها واجهت التصلب والإقصاء من أعمدة وأركان الجماعة وبخاصة أصحاب التيار القطبي فيها، ولعله من المناسب ذكر أهم ثلاث أمور أعتقد انها أدت إلى سقوط حكم الجماعة.

أولاً: خلط العمل الدعوي بالعمل السياسي، إن الإصرار على إدارة العملية السياسية بفقه مشايخ الدعوة وخطباء المساجد (رغم التقدير والاحترام العالي لهذه الشرائح ومن يمثلها من علماء ورجال أجلاء نعتز بهم ونجلهم)، إلا أن العمل السياسي يتطلب أدوات وتقنيات ولغة أكثر من مجرد اللعب على العواطف وحسب، فهو يتطلب فهم للواقع بتجرد والعمل على تلبية احتياجات الناس الأمنية وايجاد الحلول الاقتصادية بالدرجة الأولى للجميع من المعارضين والمؤيدين على السواء واحترام المؤسسات الحكومية واستمالتها وقيادتها لا استعدائها، والتسويق لهذه الأعمال بأساليب مهنية وإعلامية معاصرة تدفع الناس لتبنيها والالتفاف حولها وحول أصحابها، وذلك لتفريغ أي عملية حقن يمكن ان تحدث للشارع وتفويت الفرصة على الخصوم السياسيين الوطنين منهم فضلاً عن غير الوطنين في استغلالها أسوء استغلال، ولا بأس بالخطاب العاطفي في العمل السياسي ولكن على أن يسانده ويدعمه عمل وإنجاز على الأرض لا على الإعلام المجرد والاعتماد وحسب على قوة التأييد المبني على الإنتماء أو العاطفة الدينية التي تُسنتفذ وتُفرغ تحت الضغط وبمرور الوقت، هذا بالإضافة إلى إصرار الجماعة على ممارسة دورها السياسي كجماعة رغم تشكيل حزب الحرية والعدالة الذي يفترض به أن يكون الجناح السياسي لها، مما جعلها تحصد سلبيات “إزدواج الدور” القاتلة، فالمناورة في الفقه السياسي كذب في الفقه الديني، والنفعية الميكافيلية في السياسة هي نفاق ووممالأة في الدين، وبذلك تكون خسارتها مضاعفة لانها حين تعمل بفقه السياسة ستهاجم من الجانب الديني والعكس صحيح. كان أولى بالجماعة ان تتحول إلى العمل الدعوي والإجتماعي والخيري بذات الأسلوب الذي انتهجته أيام مبارك، وحصدت به التأييد والتعاطف الكبير حينها، وترك العمل السياسي لحزبها المشكل لإدارة العملية بشكل تقني مهني من قبل متخصصين لا بشكل وصائي ولائي من قبل مكتب الإرشاد ورموزها.

ثانياً: الإنفصال التاريخي الحدثي والزماني، إن هذا الإنفصال الذي كابده الرئيس مرسي ومن خلفه الإخوان، وعدم سعيهم او محاولتهم الاستفادة من التاريخ حتى القريب منه بشقيه الحدثي والزماني وقراءته جيداً، وكأنهم بلا ذاكرة تسجل الأحداث وتتوقف عندها فتدرسها وتحللها وتحاول قدر الإمكان الإستفادة منها في راهن وقتها، بالإضافة إلى عدم حصول الوعي الكافي بالزمن لديهم ومدى اختلاف وفعالية ادواته الحديثة وسرعتها في التأثير في النبض الاجتماعي العام، فوت فرصة المبادرة والسبق بأفعال ووخطوات إجرائية خلاقة وسريعة من شأنها أن تسبق الحدث وتقطع الطريق أمام من يكيد ويتآمر بحسب وصفهم ويدبر ويسوس بحب الوصف المجرد في السياسة، وذلك تحت وطأة “الدقة القديمة” في إنجاز الأعمال وترجمة السياسات التي كانت متبعة في عهد الراديو والإذاعة والتي ما زالت مسيطرة على رموزهم وقادتهم، عوضاً عن لغة الفضاءات المفتوحة والانترنت الاجتماعي الذي جعل العالم كله كمنزل العائلة بسرعة تفاعله ونفاذ صبره على الأخطاء، هذا وبالاضافة إلى حالة الانكار والتصلب التي تبنوها رغم أنها ذاتها هي ما أطاح بمن سبقهم فأردتهم مهالكهم، مغيبين عن الحكمة العربية الشهيرة وفحواها الخفي “لكل زمان دولة ورجال”.

ثالثاً: أحادية الرؤية أو العور السياسي، إن النظر إلى المعارضة والشعب بالعموم بهذا الأسلوب وعدم الاستفادة من قطاع الرؤية المشتركة الواسع الذي وهبه الله عز وجل لعيني الإنسان والإصرار إنكاراً واستكباراً على الرؤية الأحادية كما تفعل بعض الأسماك أو من أبتلي بعور، جعلت سيد موقف الإخوان والرئيس مرسي هو التشبث بموقف المدافع لمن ابتلي بداء “نظرية المؤامرة” وهذا لا يعبر بالضرورة إلا عن سذاجة سياسية أدت إلى خسارة قسم مهم من المؤيدين فضلاً عن توسع الاحتشاد المضاد للمعارضين. فلم يكن إجمالي تحرك المعارضة سابقاً وحركة “تمرد” لاحقاً مبني على الفلول والمتأمرين مع الغرب والعرب وحدهم وحسب كما نظرت إليه تلك الرؤية الأحادية لدى الإخوان والرئيس مرسي، بل كانت تشمل أيضاً قطاعات واسعة ازدادت مع الوقت من الشباب والمثقفين الناقمين على سوء الإدارة والأخطاء المرتكبة وإدراك عدم أهلية الرئيس مرسي لقيادة المرحلة الحرجة، وقطاعات أخرى اتسعت من المسحوقين “الغلابة” الناقمين على أوضاعهم الأمنية والمعيشية الصعبة التي لم تزدد إلا سوءاً، وهو ما كانت تلامسه كلمات مرسي في الخطابات ولكنها للأسف تتجاوزه في الأفعال، ولعل سيطرة مكتب الإرشاد “وأقول ربما” هو من ألغى سمة المرونة والديناميكية في تعاطي الرئيس مع هذه القضية، أو ربما الرئيس هو غير مؤهل بالفعل وفق ما اظهره في مواطن كثيرة خاصة في خطابيه الأخيرين قبل عزله وخطابه المسجل بعد العزل، وإصراره على العمل في السياسة كالأسماك وحيدة الرؤية مثقوبة الذاكرة.

الصدمة كبيرة حقيقة، سواء بخسارة العملية الديمقراطية الرائعة التي تمت بنزاهة والتي باتت تستدعي مراجعات حقيقية لمصطلح الديمقراطية وآلياته، أم بخسارة تجربة طموحة أخرى لتيار الإسلام السياسي، والذي لم يتعلم حتى الآن أن الإسلام ليس للاستغلال في الشعارات السياسية كعناوين رنانة تجذب قلوب بسطاء المؤمنين إليها، وإنما هو فقه الحياة وشريعتها الذي يجب أن يدركه الناس بأفعال منتسبيه وحامليه المنتشرين في مختلف المجالات بتجسديه في اختصاصاتهم وعلمهم المترجم بأعمالهم ،لا بخطبهم وأقوالهم المبنية على الانتماء المجرد إليه.

اليوم تقف مصر برمتها والإخوان بخاصتهم، امام استحقاق تاريخي سيحدد مستقبل الإخوان بالدرجة الأولى واستقرار مصر بالدرجة الثانية، فإن تقبل الإخوان ما حدث برغم اعتبارته المقبولة أم المرفوضة، بأسلوب سياسي واعي وأعادوا التفكير وراجعوا المرحلة المنصرمة وأفكارها وخرجوا بحلة فكرية جديدة اكثر وعي وديناميكية للتعامل مع الاحداث السياسية على غرار شقهم التركي، فقد افلحوا وسينجحون عاجلاً ام آجلاً، وإلا فإن اختاروا التطرف والعنف الذي يهتف به ويدعو إليه غير المتعقلين منهم فسوف يكون الطامة الكبرى التي تنتظرهم فكرياً قبله أمنياً.

04/07/2013م

 

شارك:

مقالات ذات صلة:

أيمن قاسم الرفاعي

Ayman Q. Alrefai

باحـــث دكتــــــوراة فـــي الدراســـــات الإسلاميـــــة
كـاتب وباحــث متخصـص في مجـال الإدارة والسياســة العامة
مدون وكاتب في مجال الفكر والفن والأدب والقصة والشعر

آخر ما حرر
مقالات ذات صلة
Scroll to Top