البارادايم – النموذج الفكري أو الإدراكي

البارادايم (النموذج الفكري أو الإدراكي) (Paradigm)

 

paradigm shift

 قصص عن البارادايم

بين دولتين عربيتين تنشط عملية التهريب وتتنوع أساليبه، مما شكل ذلك لقوى الجمارك هاجس الشك في كل ما يحمله المتنقلون على طرفي الحدود، فاستغل احد المهربين ذلك وأخذ ينقل كل يوم كيس مملوء بالرمل الناعم على دراجته النارية، وعندما كان رجال الجمارك يتفحصون ما يحمله كانت تصيبهم الحيرة عن الدافع الذي يحمل هذا الرجل لقطع كل تلك المسافة كل يوم من أجل كيس رمل، وأخذوا يترصدونه مقتنعين انه يحضر لعملية تهريب كبيرة بذلك الرمل حين يغفلوا عنه، ولكنه خيب أملهم، واستطاع ان يلهيهم طيلة الوقت بكيس الرمل حتى يتسنى له أن يهرب كل يوم دراجة نارية.

كان أحد السائقين يقود سيارته بهدوء في أحد الطرق المزدوجة والمنحنية وفجأة ظهرت أمامه سيارة في مساره واستطاع أن يتفادها بصعوبة لكن حينما حاذه صاحب السيارة الذي دخل في مساره فتح زجاج السيارة و صرخ بأعلى صوته حمآآآآر !، غضب الرجل من هذه الكلمة ونعت ذلك الرجل بأقبح الصفات وبعد ان تجاوز المنحنى تفاجأ بحمار ميت في الطريق واصطدم به، بارادايم هذا الشخص فسر كلمة حمار انه شتيمة بينما كان الشخص الآخر يقصد بذلك تنبيه الرجل ولكنه لم يستوعب هذه الصورة فكانت النتيجة انه شتم ذلك الرجل واصطدم بذلك الحمار.

كان هناك شخص اسمه هاري متخصص في فتح الأقفال والخزانات وجاءه موظف من أحد البنوك الانجليزية وتحداه أن يفتح خزانته خلال ساعتين ضحك هاري وقال سأفتحها خلال خمس دقائق .. وبدا هاري في محاولة فتح الخزانة ومضت الساعتين ولم يفتحها بعد ذلك يئس من فتح الخزانة واستند على باب الخزانة فنفتح الباب .. لأن الباب كان مفتوحاً بالأصل
لم يكن في بارادايم هاري احتمال أن الخزانة مفتوحة وهذه نقطة تسمى في علم البارادايم ( العودة إلى الصفر ) حيث أن مهارة هاري تساوت مع مهارة أي طفل في فتح الخزانات المفتوحة فلا تتمحور حول بارادايم ضيق.

تزوج شاب يدعى قيس الياسين فتاة اسمها ليلى خليل.. في أحد الأيام أوصل زوجته لزيارة صديقتها وطلب منها أن تتصل به عند انتهاء زيارتها لكي يأخذها إلى البيت… فلما جاء موعد خروجها اتصلت بزوجها من هاتف منزل صديقتها لكن زوجها لم يجب الاتصال، وبعد بعض الوقت عندما انتبه قيس للهاتف علم أن زوجته من اتصلت به كما اتفقا، فعاود الاتصال على ذات الرقم الذي اتصلت منه زوجته، فأجابت اتصاله صاحبة المنزل حماة صديقة زوجته التي لا تعرف ليلى شخصياً، فجرى الاتصال التالي بينهما:

السلام عليكم

وعليكم السلام

لو سمحتي ممكن اكلم ليلى

ليلى !؟ ومن حضرتك

أنا قيس

فصاحة به السيدة: يا قليل الحياء والأدب، أليس لديك أخوات وام تخاف عليها.

صاحبة البيت ردت عليه بهذا الأسلوب لان الصورة الموجودة في البارادايم الخاص بها هي صورة الحبيبين قيس وليلى وتوقعت أن هذا المتصل يعبث ويعاكس عبر الهاتف.

ونختمها بأشهر القصص، وهي قصة لويس الرابع عشر مع السجين المحكوم بالإعدام، والذي كان محتجز في أحد أجنحة القلعة وغدا هو موعد تنفيذ حكم الإعدام فيه، لكن لويس فاجئ الرجل وزاره في سجنه، وقال له أنه سيحظى بفرصة النجاة من الإعدام، وأن هناك طريق خالية ليس عليها حراس، إن وجدها وخرج فإنه سيعفو عنه، وبالفعل أمضى الرجل الليل كله يبحث واهتدى لعدة ممرات وسراديب ذات أبواب سرية في الجناح المحتجز به، لكنها جميعا كانت تؤدي إلى طريق مقفلة، في الصباح وقبل تنفيذ حكم الإعدام عاتب الرجل لويس بانه كذب عليه ولم تكن هناك طريق مفتوحة دون حراس، فأجابه لويس أن الباب الرئيس لجناح السجن كان مفتوحاً وخالياً ومهيأً لهروبه ولكنه لم يكتشفه لأنه لم يفكر لحظة خارج الصندوق.

ما هو الباردايم

اصطلاحاً هو : مجموع ما لدى الإنسان وما كونه من خبرات ومعلومات ومكتسبات ومعتقدات وأنظمة ( ثقافة مر بها في حياته)، مهمتها رسم الحدود التي يسير داخلها الإنسان وتحديد تصرفه في المواقف المختلفة.

ويمكن تعريف البارادايم بأنه نظارة العقل .. أو هو نظام التفكير عند الإنسان والعدسات التي يرى من خلالها الحياة … والبارادايم حاكم للتغيير في كل مراحله وقد يجعل الإنسان يرى الأمور بغير حقيقتها وهذا من أهم أسباب اختلاف البشر.

وهناك تشبيه بسيط للنموذج الفكري أو الإدراكي (الباردايم) بالصندوق، وذلك في العبارة الشائعة (التفكير خارج الصندوق)، حيث يماثل التفكير داخل الصندوق العلم المعتاد، حيث يتضمن الصندوق تفكير هذا العلم وبالتالي فإن النموذج الفكري هو الصندوق.

وقد أعطى الفيلسوف توماس كون لهذه الكلمة معناها المعاصر عندما استخدمها للإشارة إلى مجموعة الممارسات التي تحدد أي تخصص علمي خلال فترة معينة من الوقت، وقد كان كون نفسه يفضل مصطلحات مثل العلم المعتاد أو النظرية العلمية بالشكل المتعارف عليه، حيث لديها معان فلسفية أكثر تحديدا (في اللغة الإنجليزية)، ولكن في كتابه (بنية الثورات العلمية) قام كون بتعريف النموذج الفكري – البارادايم – على أنه:

الموضوع  الذي يمكن مراقبته ونقده.

الأسئلة  التي من المفترض طرحها واستكشافها من أجل الحصول على إجابات فيما يتعلق      بالموضوع.

كيف  يمكن تحديد هيكل وبنية هذه الأسئلة.

كيف يمكن تفسير نتائج التحريات العلمية.

كيف يتكون البارادايم :

عندما يسير الناس بسياراتهم في طريق سريع تتحلى جوانبه بالشجيرات والورود الجميلة فقد لا يرى بعضهم هذه الورود لأنه يسير بسرعة كبيرة وقد لا يراها آخرون لانشغال أذهانهم بحدث أو مشكلة أو ببرنامج إذاعي ممتع .. وقد يرى البعض الورد ويعجب به .. وهناك من يتمنى زراعة المزيد منه أو إضافة أنواع أخرى.

وفئة أخرى من الناس تتمنى لو أتيحت لها الفرصة للتوقف والتجول بين هذه الأزهار واستنشاق عطورها ووصف جمالها .. وربما جادت قريحتهم بأبيات شعر رائعة تتغزل بالورد وجماله .. وقد يراها البعض مصدراً للعطور بينما يراها آخرون مصدراً للمبيدات الحشرية.

وهناك فئة أخرى تفكر في الشركة المسئولة عن زراعة الورود وتخضير المنطقة ومدى استفادتها المالية من المشروع وهل تستحقه فعلاً أم أنها حصلت عليه بطرق غير مشروعة .. وهكذا. فلكل إنسان صورته الخاصة ( بارادايم خاص به ) يرى به الطريق والورد .. وكل شيء يمر به في الحياة. وإذا رأى الإنسان شيئا جديداً فسوف يتعجب ويتوقف .. ولكنه سيبدأ بفتح ملف خاص بهذا الشيء الجديد ومن ثم يكون صورة جديدة حوله.

البارادايم الايجابي والسلبي :

من الضروري أن يستخدم الشخص البارادايم الخاص به بصورة إيجابية وذلك بتغير إطار الإدراك بحيث يجعل إطار إدراكه للأمور دوماً إيجابياً و ذلك سيغير من نظرته للموقف ومن ثم حكمه وتقييمه له وبالتالي سيغير سلوكه فأي حقيقة تواجهنا ليست لها نفس الأهمية كأهمية تصرفنا تجاهها لأن تصرفنا هو الذي يحدد نجاحنا أو فشلنا.

وعندما يظن الإنسان أنه لا يستطيع القيام بأمر ما فإنه لا يستطيع ذلك حتى لو كان قادراً في الحقيقة على أدائه .. ولذلك فإن نجاح الإنسان أو فشله بحسب نظام تفكيره .. وقد تكون الفرص أمامه ولكنه لا يراها لأنه لم يلبس العدسة المناسبة …. فكم قضى وهم البارادايم على أشخاص وعلى شركات وأسر بل ومجتمعات !!

تقسيم الأشخاص في علم البارادايم:

ووفق البارادايم الجديد فإنه يمكن تقسيم الأشخاص إلى أحد الصور التالية :

1)      المبدعون – المستشرفون

2)      النمطيون (أعداء التغيير) – آخر من يلحق بالركب

3)      الروّاد – أول من يلحق بالركب

1)     المبدعون Shifters ( خارج منطقة التغطية .. أحيانا ):

لا يحبّون النقاش لأنهم يملّونه وليس لديهم تفاصيل وإثباتات وأفضل طريقة للتعامل معهم هي التشجيع وإظهار الإعجاب مع تقديرهم .. كذلك يجب أن يكون الحوار معهم بشكل مرح ومحفز وخال من الاستهزاء واللوم … من جهة أخرى فإن على المبدع أن يبدع في إقناع النمطيون والرواد بإبداعه .. كما فعل أديسون عندما اخترع المصباح الكهربائي إذ سأله صحفي : ماذا لو انطفأ المصباح ؟ .. فرد أديسون ببساطة إبداعية : نعود إلى الظلام الذي كنا فيه أصلا …

2)     النمطيون Settler هم الجدليون ( في الغالب ):

يُطيلون الحوار لإثبات خطأ الفكرة الجديدة ( في ضوء أطرهم وأفكارهم القديمة والمُستقرة ) خاصة وأنهم يتقنون عملهم في ضوء البارادايم السائد .. وهم كما يصفهم جول باركر مُصابون بنوع من الشلل الإدراكي الذي يُعيقهم عن رؤية ما هو خارج البارادايم. … ولذلك فأفضل طريقة في الحوار معهم هي الإنصات لهم واحترام وجهة نظرهم ثم محاولة تنويع صور عرض البارادايم الجديد لهم .. وهنا يبرز دور الإبداع في عرض الإبداع .. وكذلك إبراز بعض العبارات الجميلة أمامهم مثل :

العقل مثل الباراشوت .. يعمل بشكل رائع عندما يكون مفتوحاً !!!

3)     الرواد Pioneers هم المحاورون:

رواد البارادايم هم الحل فهم الأفضل في الحوار … ذلك أنهم يتمتعون بمرونة عالية تجاه البارادايم الجديد ( أو ما يخالف ما يرونه ) وهم يتبعون الجديد انطلاقاً من الحدس مع شيء من المعلومات ( الناقصة ) … ويحرص الرواد على تحقيق معادلة صعبة هي دعم المبدع وتشجيعه والاستفادة منه .. وعدم خسارة أو فقدان النمطي الذي يملك ملاحظات ومهارات أيضا تثري العمل والمسيرة عندما يقتنع أو يستوعب ما يطرحه المبدع.

مقترحات لتكوين بارادايم جديد:

1-           ان تقبل احتمال الخطأ أو عدم صحة رأيك في أي موضوع

2-           أن تفكر وفقا لمعايير أو نظم جديدة أو مختلفة

3-           راجع منظومة القيم ( عندك )

4-           اعرف نمطك في البارادايم

5-           اطرح وأنصت للأفكار السخيفة ‘Tom Peter’

6-           استمتع بالمرح واستمتع بالخيال

7-           نوع ( أو غير ) مصادر معلوماتك

8-           جرب أطباقاً جديدة .. مثل من لم يسبق له أن أكل الباذنجان

9-           اعرف أن هناك أكثر من إجابة واحدة (صحيحة ) للسؤال الواحد .. أحيانا على الأقل

10-       غيّر نوع مجالسك اطلع على محطات إعلامية لم يسبق لك أن شاهدتها ‘ تلفاز – إذاعة – صحافة .. ‘

11-       تفادى التعميم فهو صندوق البارادايم القاتل ومن يتصور ان الناس اغبياء وهو الذكي فالعكس صحيح ….

22/08/2013

منقول بتصرف – نخبة الفكر

شارك:

مقالات ذات صلة:

أيمن قاسم الرفاعي

Ayman Q. Alrefai

باحـــث دكتــــــوراة فـــي الدراســـــات الإسلاميـــــة
كـاتب وباحــث متخصـص في مجـال الإدارة والسياســة العامة
مدون وكاتب في مجال الفكر والفن والأدب والقصة والشعر

آخر ما حرر
مقالات ذات صلة
Scroll to Top